فصل: ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة اثنين وأربعين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ خروج المنصور حتى نزل عند جسر البصرة الأكبر

وبنى لهم قبلتهم التي يصلون إليها في عيدهم بالحمان واستعمل عيسى بن عمرو الكندي على البصرة ومعن بن زائدة على اليمن‏.‏ ووجه عمر بن أبي حفص بن أبي صفرة عاملًا على السند والهند ومحاربًا لعيينة بن موسى فسار حتى ورد السند وغلب عليها‏.‏وفي هذه السنة

نقض إصبهبذ طبرستان العهد بينه وبين المسلمين وكان من حديثه أن أبا جعفر لما انتهى إليه خبر الإصبهذ وما فعل بالمسلمين وجه إليه جماعة منهم أبو الخصيب فأقاموا على حصنه محاصرين له ولمن معه في حصنه فطال عليهم المقام فاحتال أبو الخصيب فقال لأصحابه‏:‏ اضربوني واحلقوا رأسي ولحيتي‏.‏ ففعلوا ذلك به ولحق بالإصبهبذ صاحب الحصن فقال له‏:‏ إنه ركب مني أمرٌ عظيم وإنما فعلوا بي هذا تهمةً لي أن يكون هواي معك فأخبره أنه معه وأنه دليل على عورة عسكرهم‏.‏ فقبل ذلك اللإصبهبذ وجعله في خاصته وألطفه وكان على باب مدينتهم من حجر يلقى إلقاء تدفعه الرجال وتضعه عند فتحه وإغلاقه‏.‏ وكان قد وكل به الإصبهبذ ثقات أصحابه وجعل ذلك نوبًا بينهم وجعل أبو الخصيب فيمن ينوب عن ذلك فكتب إلى أصحابه وجعل الكتاب في نشابة ورماها إليهم وأعلمهم أنه قد ظفر بالحيلة ووعدهم ليلة سماها في فتح الباب فلما كانت الليلة فتح لهم فقتلوا من فيها من المقاتلة وسبوا الذراري فظفروا بأم منصور المهدي وأم إبراهيم المهدي‏.‏

فمص الإصبهبذ خاتمًا له كان فيه سم فقتل نفسه‏.‏ وقيل‏:‏ إن هذا كان سنة ثلاث وأربعين‏.‏ وفي

هذه السنة‏:‏ عزل نوفل بن الفرات عن مصر ووليها محمد بن الأشعث ثم عزل محمد ووليها نوفل ثم عزل نوفل ووليها حميد بن قحطبة‏.‏ وفيها ولى أبو جعفر أخاه العباس بن محمد الجزيرة والثغور وضم إليه عدة من القواد‏.‏ وفيها‏:‏ اختط المنصور بغداد ولم يشرع في البناء‏.‏ وفيها‏:‏ حج بالناس إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس وكان العامل بالمدينة محمد بن عبد الله وعلى مكة والطائف الهيثم بن معاوية وعلى الكوفة وأرضها عيسى بن موسى وعلى البصرة وأعمالها سفيان بن معاوية وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى مصر حميد بن قحطبة بن شبيب‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حميد بن هانئ أبو هانئ الخولانيروى عن أبي قتيل وشقي بن ماتع وغيرهما‏.‏ حدث عنه الليث وابن لهيعة وآخر من حدث

عنه بمصر إسحاق بن الفرات‏.‏ وتوفي في هذه السنة‏.‏سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس

أمه أم ولد ولي الإمارة بالبصرة وغيرها ولاه المنصور‏.‏ أخبرنا محمد بن عمر الدموي قال‏:‏

أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون قال‏:‏ حدثنا أبو الفضل محمد بن الحسن المأمون قال‏:‏

حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال‏:‏ حدثنا محمد بن مجيب المازني قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ لما قدم

سليمان بن علي البصرة واليًا عليها قيل له‏:‏ إن بالمربد رجلًا من بني سعد مجنونًا سريع الجواب لا يتكلم إلا بالشعر‏.‏ فأرسل إليه سليمان بن علي قهرمانًا له وكان المجنون يعمل على ناقة له فاستاق القهرمان الناقة وأتى بهما إلى سليمان بن علي فلما وقف بين يديه قال له سليمان‏:‏ حياك الله يا أخا بني سعد فقال‏:‏

حياك رب الناس من أمير ** يافاضل الأصل عظيم الخبر

إني أتاني الفاسق الجلواز ** والقلب قد طار به اهتزاز

فقال سليمان‏:‏ إنما بعثته إليك ليشتري ناقتك‏.‏ فقال‏:‏ ما قال شيئًا في شراء الناقة وقد إتى بالجهل والحماقة فقال‏:‏ ما أتي فقال‏:‏ خرق سربالي وشق بردتي وكان وجهي في الملا وزينتي

فقال‏:‏ نخلف عليك أفتعزم على بيع الناقة‏.‏ فقال‏:‏

أبيعها من بعد مال أوكس ** والبيع في الأوان أكيس

قال‏:‏ كم شراؤها عليك فقال‏:‏

شراؤها عشر ببطن مكة **من الدنانير القيام السكة

ولا أبع الدهر أو أزاد إني لربح في الشرا معتادخذها بعشر و بخمس وازنه فإنها ناقة صدق مازنة فقال‏:‏ تحنطا وتحسن‏.‏ فقال‏:‏

تبارك الله العلي العالي ** تسألني الحط وأنت الواليقال‏:‏ فنأخذها ولا نعطيك شيئًا‏.‏ فقال‏:‏فأين ربي ذو الجلال الأفضل ** إن أنت لم تخشى الإله فافعل

فقال‏:‏ كم نزن لك فيها فقال‏:‏

والله ما ينعشني ما تعطي ** ولا يداني الفقر مني خطي

خذها بما أحببت يا ابن عباس يا ابن الكرام من قريش والراس

فأمر له سليمان بألف درهم وعشرة أثواب فقال‏:‏

إني رمتني نحوك العجاج ** ولي عيال معدم محتاج

طاوي المطي ضيق المعيش ** فأنبت الله لديك ريش

شرفتني منك بألف فاخرة **شرفك الله بها في الآخره

وكسوة طاهرة حسان ** كساك ربي حلل الجنانعاصم بن سليمان عبد الرحمن الأحول البصري

سمع أنسًا وعبد الله بن سرخس والحسن‏.‏ وولي القضاء بالمدائن في خلافة المنصور وكان

وكان يحتسب على المكاييل و الموازين وهو معدود في كتاب الحفاظ الثقات‏.‏ عن محمد بنعبادة قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ ربما رئي عاصم الأحول وهو صائم فيفطر فإذا صلى العشاءتنحى فصلى فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر لا يضع جنبه‏.‏ توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة

فمن الحوادث فيها أن الخبر جاء إلى المنصور بأن الديلم أوقعوا بالمسلمين

وقتلوا مقتلة عظيمة فبعث أهل البصرة والكوفة لجهادهم‏.‏ وفيها‏:‏ عزل الهيثم بمن معاوية عنمكة و الطائف وولي ما كان إليه من ذلك السري بن عبد الله بن الحارث بن عباس بن عبد

المطلب فأتى السري عهده على ذلك وهو باليمامة فسار إلى مكة‏.‏ ووجه المنصور إلى اليمامة

محمد بن العباس بن عبد الله بن عباس‏.‏ وفي هذه السنة‏:‏ عزل حميد بن قحطبة عن مصرووليها نوفل ثم عزل ووليها يزيد بن حاتم‏.‏ وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس عيسى بن موسى وكان

إليه ولاية الكوفة وسوادها وكان عامل مكة والمدينة السري بن عبد الله وعامل البصرة سفيانبن معاوية وكان على قضائها سوار وعلى مصر يزيد بن حاتم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حميد بن مهران أبو عبيدة الطويل مولى لخزاعة ولد سنة ثمان وستين‏.‏حيي بن شريح أبو عبد الله المعافري

ثم الحبلي‏:‏ روى عنه‏:‏ ابن لهيعة وغيره وآخر من حدث عنه بمصر ابن وهب‏.‏ توفي في هذه

السنة‏.‏سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمينزل في التيم فنسب إليهم وليس بتيمي‏.‏ وكان ثقة من العباد يصلي الغداة بوضوء صلاة العشاء

وكان هو وابنه المعتمر يدوران الليل في المساجد فيصليان في هذا المسجد وفي هذا المسجد

حتى يصبحا‏.‏ أخبرنا محمد بن عبد الله بن حبيب قال‏:‏ أخبرني علي بن عبد الله بن أبي صادققال‏:‏ أخبرنا ابن باكويه قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن الفضل قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أبي القاسم

قال‏:‏ حدثنا أحمد بن الحسين الحذاء قال‏:‏ حدثنا أحمد بن الزورقي قال‏:‏ حدثنا الوليد بن صالح قال‏:‏ سمعت حماد بن سلمة يقول‏:‏ ما أبقى سليمان التيمي من ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه

مطيعًا إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليًا وإن لم يكن في ساعة صلاة وجدناه إما يتوضأللصلاة أو عائدًا لمريض أو مشيعًا لجنازة أو قاعدًا في المسجد يسبح وكنا نرى أنه لا يحسن أن

يعصي الله عز وجل‏.‏ أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسين بن علي بن

يحيى قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال‏:‏ سمعت معتمر بن سليمان يقول‏:‏ لولا أنك بين أهلي

ما حدثتك عن أبي بهذا مكث أربعين سنة يصوم يومًا ويفطر يومًا ويصلي الصبح بوضوء

العشاء وربما أحدث الوضوء من غير نوم‏.‏ قال أبو نعيم‏:‏ وحدثنا أبو حامد بن جميل قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدثنا يوسف بن موسى قال‏:‏ سمعت جريرًا عن رقبة قال‏:‏ رأيت رب العزة في المنام فقال‏:‏ وعزتي لأكرمن مثوى سليمان يعني التيمي‏.‏ وبلغنا من طريق آخر قال‏:‏ رأيت رب العزة في النوم فقال لي‏:‏ يا رقبة وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى لي أربعين سنة الغداة على ظهر العتمة‏.‏ قال‏:‏ فجئت إلى سليمان فحدثته فقال‏:‏ أنت رأيت هذا قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ لأحدثنك بمائة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جئتني بهذه البشارة‏.‏ قال‏:‏ فلما كان بعد مديدة مات فرأيته في المنام‏.‏ فقلت ما فعل الله بك‏.‏ قال‏:‏ غفر لي وأدناني وقربني غلفني بيده‏.‏ وقال‏:‏ هكذا أفعل بأبناء ثلاث وثمانين‏.‏ أسندسليمان التميمي عن أنس بن مالك وعن جماعة من أكابر التابعين‏.‏ وتوفي بالبصرة‏.‏فاطمة بنت محمد بن المنكدر

أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد له عن إبراهيم بن مسلم القرشي قال‏:‏ كانت فاطمة بنت محمد بنالمنكدر تكون نهارها فإذا جنها الليل تنادي بصوت حزين‏:‏ هدأ الليل واختلط الظلام وأوى كل حبيب إلى حبيبه وخلوتي بك أيها المحبوب أن تعتقني من النار‏.‏

يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة أبو سعيد الأنصاري المدني

سمع من أنس بن مالك والسائب بن يزيد وغبد الله بن عامر بن ربيعة وسعيد بن المسيبوالقاسم وغيرهم‏.‏ ثم روى عنه هشام بن عروة ومالك وابن جريح وشعبة وغيرهم‏.‏ وكانفقيهًا ثقة يتولى القضاء بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في أيام الوليد بن عبد الملك أقدمه

المنصور العراق وولاه القضاء بالهاشمية وذلك قبل أن تبنى العراق‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بنمحمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا التنوخي قال‏:‏ أخبرنا طلحة بن محمد بن

جعفر قال‏:‏ حدثني علي بن محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا أحمد بن زهير قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن

المنذر قال‏:‏ حدثنا يحيى بن محمد بن طلحة قال‏:‏ حدثني سليمان بن بلال قال‏:‏ كان يحيى بن

سعيد قد ساءت حاله وأصابه ضيق شديد وركبه الدين فبينا هو على ذلك إذ أتاه كتاب أبي العباس يستقضيه‏.‏ قال سليمان‏:‏ فوكلني يحيى بأهله وقال لي‏:‏ والله ما خرجت وأنا أجهل

شيئًا وأنه والله لأول خصمين جلسا بين يدي فاقتضيا بشيء والله ما سمعته قط فإذا جاءككتابي هذا فسل ربيعة واكتب إلي بما يقول ولا يعلم أنني كتبت إليك بذلك‏.‏ حدثنا القزاز قال‏:‏

حدثنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا عمر بن المهدي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال‏:‏ حدثني جدي قال‏:‏ حدثني أبو بكر بن أبي الأسود قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن عن وهيب قال‏:‏قدمت المدينة فما رأيت أحدًا إلا يعرف وينكر إلا يحيى بن سعيد ومالك بن أنس‏.‏ توفي يحيى

بالهاشمية من الأنبار في هذه السنة‏.‏ وقيل‏:‏ سنة أربع‏.‏ وقيل‏:‏ سنة ست‏. ‏ ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائة

غزو الديلم وفيها انصرف المهدي عن خراسان إلى العراق وشخص أبو حعفر إلى قنسرين فلقيه بها ابنهمحمد فانصرفا جميعًا إلى الحيرة‏.‏ وفيها‏:‏ بنى المهدي عند مقدمه من خراسان بابنة عمه ريطةبنت أبي العباس‏.‏

وفيها‏:‏ ولى أبو جعفر رباح بن عثمان المري المدينة وعزل محمد بن خالد القسري عنها‏.‏ وكان السبب في ذلك أن أبا جعفر أهمه أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن وتخلفهما عن حضوره مع من شهده من بني هاشم عام حج في حياة أخيه أبي العباس ومعه أبو مسلم‏.‏ وقد ذكر أن محمدًا كان يذكر أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطراب مروان‏.‏ فسأل أبو جعفر عن محمد وإبراهيم حين حج ولم يرهما فقال له زياد بن عبد الله‏:‏ ما يهمك من أمرهما‏!‏ أنا آتيك بهما‏.‏ فضمنه إياهما وأقره على المدينة‏.‏ ولما ولي أبو جعفر لم يكن له هم إلا طلب محمد والسؤال عنه فدعا بني هاشم رجلًا رجلًا يخلو به فيسألهم عنه فيقولون‏:‏ هو يخافك على نفسه وما يريد بذلك خلافًا إلا حسن بن يزيد فإنه أخبره خبره وقال‏:‏ والله ما آمن عليك وإنه ما ينام عنك‏.‏ فنظر المنصور إلى رجل له فطنةٌ يقال له‏:‏ عقبة بن سالم فقال له‏:‏ أخف شخصك واستر أمرك وآتني لأمر إن كفيتنيه رفعتك‏.‏ فأتاه فقال له‏:‏ إن بني عمنا هؤلاء قد أبو إلا كيدًا لملكنا ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من بلادهم فأخرج بكسًا وألطاف وعين حتى تأتيهم متنكرًا بكتاب تكتبه أهل هذه القرية ثم تسبر ناحيتهم فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك فأشخص حتى تلقى عبد الله بن حسن فإن جبهك وهو فاعل فاصبر وعاوده حتى يأنس بك فإذا أطهر لك ما قبله فاعجل علي‏.‏ فشخص حتى قدم على عبد الله فلقيه بالكتاب فأنكره ونهره وقال‏:‏ ما أعرف هؤلاء القوم فلم يزل ينصرف ويعود إليه حتى قبل كتابه وألطافه وآنس به فسأله الجواب فقال‏:‏ إني لا أكتب إلى أحدٍ ولكن أنت كتابي إليهم فأقرئهم السلام وأخبرهم أن ابني خارجان لوقت كذا وكذا‏.‏ فقدم على أبي جعفر فأخبره الخبر فأنشأ حينئذ الحج وقال لعقبة‏:‏ إني إذا صرت بمكان كذا وكذا لقيني بنو حسن فيهم عبد الله فأنا مبجله ورافعٌ مجلسه وداع بالغداء فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائمًا فإنه سيصرف بصره فعد حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك ثم حسبك وإياك أن يراك ما دام يأكل‏.‏ فخرج حتى إذا تدفع في البلاد لقيه بنو حسن فأجلس عبد الله إلى جانبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم أمر به فرفع فأقبل على عبد الله فقال‏:‏ يا محمد قد علمت ما أعطيتني من المواثيق والعهود ألا تبغيني سوءًا ولا تكيد لي سلطانًا‏.‏ قال‏:‏ فأنا على ذاك يا أمير المؤمنين‏.‏ فلحظ أبو جعفر عقبة فاستدار حتى قام بين يدي عبد الله فأعرض عنه فاستدار حتى قام من وراء ظهره فغمزه بإصبعه فرفع رأسه فملأ عينه منه فوثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر فقال‏:‏ أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله‏.‏ قال‏:‏ لا أقالني الله إن أقلتك‏.‏ ثم أمر بحبسه‏.‏وفي رواية‏:‏ أن المنصور أتاه عبد الله بن حسن فجلس عنده إذ تكلم المهدي فلحن فقال عبد

الله‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا تأمر لهذا من يعدل لسانه فأحفظ المنصور من هذا وقال‏:‏ أين ابنك

قال‏:‏ لا أدري‏.‏ قال‏:‏ لتأتيني به‏.‏ قال‏:‏ لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه‏.‏ قال‏:‏ يا ربيع قم به

إلى الحبس‏.‏ وقيل‏:‏ إن حبسه كان في سنة أربعين فأقام في الحبس ثلاث سنين‏.‏ ولما حبسه جد

في طلب ابنيه وبعث عينًا له وكتب معه كتبًا على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم

وبعث معه بمال وألطاف فقدم الرجل المدينة فسأل عن محمد فذكر له أنه في جبل جهينة فمضى إليه فعلم حاله ثم عاد إلى أبي جعفر فكتب أبو جعفر إلى زياد بن عبيد الله يتنجزه

ما ضمن له من أمر محمد فأعان زياد محمدًا وقال له‏:‏ اذهب حيث شئت فما ينالك منيمكروه‏.‏ فبعث أبو جعفر من شد زيادًا في الحديد وأخذ جميع ماله ووجد في بيت المالخمسة وثمانين ألف دينار وأخذ عماله وشخص بالكل إلى أبي جعفر فقال له زياد‏:‏ إن دماءبني فاطمة علي عزيزة‏.‏ واستعمل أبو جعفر محمد بن خالد بعد زياد أمره بالجد في طلب

محمد ثم استبطأه فعزله وولى رياح بن عثمان بن حيان المدينة وأمره بالجد في طلبهما فخرجمسرعًا فقدمها يوم الجمعة لسبع ليال بقين من رمضان سنة أربع وأربعين ومائة‏.‏ وكان عند أبي جعفر مرآة يرى بها ما في الأرض جميعًا يقال إنها نزلت على آدم وصارت إلى سليمان بن داود ثم ذهبت بها الشياطين وبقيت منها بقية صارت إلى بني إسرائيل فأخذها رأس جالوت

فأتى بها مروان بن محمد فكان يحكيها ثم يجعلها على مرآة أخرى فيرى فيها ما يكره فرمى بها وضرب عنق رأس جالوت فلما استخلف أبو جعفر طلبها فأتي بها فكان يرى فيها محمد بن

عبد الله بن حسن فيكتب إلى رياح‏:‏ إن محمدًا ببلاد فيها الأترج و الأعناب فاطلبه بها فيطلبه

فلا يجد فيكتب إليه أنه ببلاد فيها الجبال فلا يجد‏.‏ وكان السبب‏:‏ أن محمدًا كان لا يقيم بمكان

إلا يسيرًا فاخبر رياح أنه في شعب من شعاب رضوى فاستعمل عمرو بن عثمان بن مالكوأمره بطلبه فخرج إليه بالخيل والرجال ففزع منهم محمد فأحضر شدًا فأفلت وكان معه

جارية وله منها ولد فهربت الجارية فسقط الصبي منها فتقطع فقال محمد‏:‏ منخرق السربال يشكو المجى تبكيه أطراف مروٍ حداد شرده الخوف فأزرى به كذاك من يكره حر الجلادوكان رياح في طلبه فرآه محمد قد جاء في الخيل فعدل إلى بئر فوقف بين قرنيها ليستقي الماء

فنظر إليه رياح فقال‏:‏ قاتله الله أعرابيًا ما أحسن ذراعه‏!‏ ولقيه مرة أخرى فجلس محمد وجعل

ظهره مما يلي الطريق وسدل هدب ردائه على وجهه فقال‏:‏ رياح امرأة رأتنا فاستحيت‏.‏

وكان محمد جسيمًا عظيمًا آدم شديد الأدمة‏.‏ وطال على المنصور أمره فلا يقدر عليه وقيل

له‏:‏ أتطمع أن تخرج محمد وإبراهيم وابن حسن مخلون‏!‏ وكانوا ثلاثة عشر رجلًا‏.‏ وحبس معهممحمد بن عبد الله العثماني وولدين له فلم يزالوا محبوسين حتى حج أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة فيلقاه رياح بالربذة فرده إلى المدينة وأمر بإشخاص بني حسن إليه وبإسخاص محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو أخو بني حسن لأمهم فاطمة بنت حسين بن علي فحملهم إليه وكان محمد وإبراهيم يأتيان معتمين كهيئة الأعراب فيسايران أباهما و يسألانه ويستأذنانه في الخروج فيقول‏:‏ لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك و يقول‏:‏ إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين‏.‏ وأمر أبو جعفر محمد بن عبد الله ففرقت اسطوانة مبنية ثم أدخل فيها فبني عليه وهو حي‏.‏ وكان أول من مات‏.‏ من المحبوسين من بني حسن‏:‏ إبراهيم بن حسن ثم عبد الله بن حسن وقد ذكرنا أن الذي حج بالناس في هذه السنة المنصور وكان الوالي على مكة السري بن عبد الله والوالي على المدينة رياح بن عثمان وعلى الكوفة عيسى بن موسى وعلىالبصرة سفيان بن معاوية وعلى قضائها سوار وعلى مصر يزيد بن حاتم‏.‏ وجرت للمنصور في حجة قصة مع بعض الصالحين‏:‏ أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال‏:‏ حدثنا أبو نصر محمد بن محمد النيسابوري عن إبراهيم بن أحمد الخشاب المقرئ قال‏:‏ حدثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الرازي قال‏:‏ حدثنا المثنى قال‏:‏ حدثنا سلمة بن سلمة القرشي قاضي اليمن قال‏:‏ سمعت أبا المهاجر المكي يقول‏:‏ قدم المنصور مكة فكان يخرج من دار الندوة إلى الطواف في آخر الليل ويطوف ويصلي ولا يعلم به فإذا طلع الفجر رجع إلى دار الندوة وجاء المؤذنون فسلموا عليه أقيمت الصلاة فيصلي بالناس فخرج ذات ليلة حين أسحر فبينا هو يطوف إذا سمع رجلًا عند الملتزم و هو يقول‏:‏ إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع‏.‏ فأسرع المنصور في مشيته حتى ملأ مسامعه من قوله ثم خرج فجلس ناحية من المسجد ثم أرسل إليه ودعاه فصلى ركعتين واستلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه فقال له المنصور‏:‏ ما هذا الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الظلم والطمع فو الله لقد حشوت مسامعي ما أضرني فأقلقني فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أمنيتي على نفسي أنبأتك بالأمور من أصلها وإلا احتجبت منك وأقتصر على نفسي ففيها لي شغلشاغل‏.‏ فقال‏:‏ أنت آمنٌ على نفسك‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه وبين الحق وإصلاح ما ظهر من تابغي والفساد في الأرض لأنت‏.‏ قال‏:‏ ويحك كيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء بيدي والحلو والحامض في قبضتي‏.‏ قال‏:‏ وهل دخل أحد من الطمع ما دخلك يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل أسترعاك أمور المسلمين بأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم وجعلت بينك وبينهم حجابًا من الآجر والجص وأبوابًا من الحديد وحجبة معهم السلاح واتخذت وزراء وأعوانًا فجرة إن نسيت لم يذكروك وإن أحسنت لم يعينوك وقويتهم على ظلم الناس بالرجال و السلاح وأمرت أن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان ولم تآمر بإيصال المظلوم والملهوف والجائع والعاري وما أحد إلا وله في المال حق فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت ألا يحجبوا عنك تجبي المال ولا تقسمه قالوا‏:‏ هذا قد خان الله فما لنا لا نخونه وقد سخر لنا وائتمروا على أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أرادوا ولا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا أقصوه عنك حتى تسقط منزلته عندك فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس

وهابوهم وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا و الأموال ليتقوا بها على ظلم رعيتك ثم فعل

ذلك الثروة والقوة من رعيتك لينالوا ظلم من دونهم من الرعية وامتلأت بلاد الله بالطمع بغيًا وفسادًا وصار هؤلاء القوم شركاءك في سلطانك وأنت غافل وإن جاء متظلم حيل بينه وبين

الدخول إلى مدينتك وإن أراد رفع قصة إليك عند ظهورك وجدك قد نهيت عن ذلك ووقفت للناس رجلًا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك الرجل يبلغ بطانتك سألوا صاحب المظالم

أن لا يرفع مظلمته إليك فإن صرخ بين يديك ضرب ضربًا مبرحًا ليكون نكالًا لغيره وأنت تنظر فلا تنكر ولا تغير فما بقاء الإسلام وأهله على هذا وقد كانت بنو أمية وكانت العرب لا

ينتهي إليهم مظلوم إلا رفعت مظلمته ولقد كان الرجل يأتي من أقصى الأرض حتى يبلغ

سلطانهم فينادي‏:‏ يا أهل الإسلام‏.‏ فيبتدرونه مالك مالك‏.‏ فيرفعون مظلمته إلى سلطانهم

فينتصف له‏.‏ وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى أرض وبها ملك فقدمتها مرة وقد ذهب

سمع ملكهم فجعل يبكي فقال له وزراؤه‏:‏ مالك تبكي لا بكت عيناك فقال‏:‏ أما إني لست

أبكي على المصيبة إذا نزلت بي ولكن المظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته وقال‏:‏ أما إن كان ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس أن لا يلبس ثوبًا أحمر إلا مظلوم‏.‏ فكان يركب الفيل في طرف النهار هل يرى مظلومًا فينصفه‏.‏ هذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله قد غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نفسه في ملكه وأنت مؤمن بالله عز وجل وابن عم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ألا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك‏!‏ فإنك لا تجمع الأموال إلالواحد من ثلاث‏:‏ إن قلت أجمعها لولدي فقد أراك الله عبرًا في الطفل الصغير يسقط من بطن

أمه وما له على الأرض مال وما من مال إلا ومن دونه يد شحيحة تحويه فلا يزال الله يلطفبذلك الطفل الصغير حتى تعظم رغبة الناس إليه ولست بالذي تعطي بل الله يعطي من يشاءما يشاء‏.‏ وإن قلت أجمع المال ليشتد سلطاني فقد أراك الله عز وجل عبرًا فيمن كان قبلك ما

أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وما أعدوا من السلاح والكراع ما ضرك وولد أبيك

ما كنت فيه من الضعف حين أراد الله عز وجل بكم ما أراد وإن قلت أجمع المال لطلب غاية

هي أجسم من الغاية التي أنت فيها فو الله ما فوق ما أنت فيه منزلة لا تدرك إلا بالعمل الصالح‏.‏

يا أمير المؤمنين هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فكيف تصنع

بالملك الذي خولك ما أنت فيه من ملك الدنيا وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل ولكن يعاقبمن عصاه بالخلود في العذاب الأليم وهو الذي يرى منك ما عقد عليه قلبك و أضمرتهجوارحك فما تقول إذا انتزع ملك الدنيا من يدك ودعاك إلى الحساب هل يفي عنك ما

كنت فيه شيئًا فبكى المنصور بكاءً شديدًا حتى ارتفع صوته ثم قال‏:‏ يا ليتني لم أخلق ولمأك شيئًا‏.‏ ثم قال‏:‏ كيف احتيالي فيما خولت ولم أر من الناس إلا خائنًا‏.‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين

عليك بالأئمة الأعلام المرشدين‏.‏ قال‏:‏ ومن هم قال‏:‏ العلماء‏.‏ قال‏:‏ قد فروا مني‏.‏ قال‏:‏ هربوامنك مخافة أن تحملهم على ما ظهر من طريقتك ولكن افتح الأبواب وسهل الحجاب وانتصر

للمظلوم وامنع الظالم وخذ الشيء مما حل وطاب واقسمه بالعدل وأنا ضامن لك عن من

هرب منك أن يأتيك فيعاونك على صلاح أمرك ورعيتك‏.‏ فقال المنصور‏:‏ اللهم وفقني أن أعمل

بما قال هذا الرجل‏.‏ وجاء المؤذنون فسلموا عليه وأقيمت الصلاة فخرج فصلى بهم ثم قال

للحارس‏:‏ عليك بالرجل فإن لم تأتني به لأضربن عنقك واغتاظ عليه غيظًا عظيمًا فخرج الحرسي يطلب الرجل فبينا هو يطوف إذا هو بالرجل قائم يصلي ثم قال‏:‏ يا ذا الرجل أما

تتقي الله قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ما تعرفه قال‏:‏ فانطلق معي فقد يقتلني إن لم آته بك‏.‏ قال‏:‏ ليس

إلى ذلك سبيل‏.‏ قال‏:‏ يقتلني‏.‏ قال‏:‏ ولا يقتلك‏.‏ قال‏:‏ كيف قال‏:‏ تحسن تقرأ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏

فأخرج من مزود كان معه رقاع فيه شيء مكتوب فقال‏:‏ خذه فاجعله في جيبك فإن فيه دعاء

الفرج‏.‏ قال‏:‏ وما دعاء الفرج قال‏:‏ لا يرزقه إلا السعداء‏.‏ قال‏:‏ رحمك الله فقد أ حسنت إلي

فإن رأيت أن الفرج قال‏:‏ لا يرزقه إلا السعداء‏.‏ قال‏:‏ رحمك الله فقد أحسنت إلي فإن رأيت

أن تخبرني ما هذا الدعاء وما فضله‏!‏ قال‏:‏ من دعا به صباحًا ومساءً هدمت ذنوبه ودام

سروره ومحيت خطاياه واستجيب دعاؤه وبسط له في رزقه وأعطي أمله وأعين على

عدوه وكتب عند اله صديقًا ولا يموت إلا شهيدًا تقول‏:‏ اللهم كما لطفت في بعظمتك دوناللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء وعلمت ما تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك وكانت وساوس الصدور كالعلانية عندك و علانية القول كالسر في علمك فانقاد كل شيء لعظمتك وخضع كل ذي سلطان لسلطانك وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك اجعل لي من هم أمسيت فيه فرجًا ومخرجًا‏.‏ اللهم إن عفوك عن ذنوبي وتجاوزك عن خطيئتي و سترك على قبيح عملي أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه منك فصرت أدعوك آمنًا وأسألك مستأنسًا إنك المحسن إلي وإني المسيء إلى نفسي فيما بيني وبينك توددًا لي وأتبغض إليك ولكن الثقة بك حملتني على الجرأة عليك فعد بفضلك علي إنك أنت التواب الرحيم‏.‏ قال‏:‏ فأخذته فصيرته في جيبي ثم لم يكن لي هم غير أمير المؤمنين فدخلت فسلمت عليه فرفع رأسه ينظر إلي ويبتسم ثم قال لي‏:‏ ويلك تحسن السحر‏.‏ فقلت‏:‏ لا والله يا أمير المؤمنين‏.‏ ثم قصصت عليه أمري مع الشيخ فقال‏:‏ هذا الرق‏.‏ ثم جعل يبكي ثم قال‏:‏ به نجوت وأمر بنسخه وأعطاني عشرة آلف درهم ثم قال‏:‏ أتعرفه قلت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ذاك الخضر‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

خالد بن أبي يزيدوقيل ابن يزيد أبو عبد الرحمن الحراني قدم بغداد فسمع بها من حجاج بن محمد الأعور‏.‏ قال يحيى بن معين‏:‏ هو ثقة‏.‏ توفي في هذه السنة‏.‏

سعيد بن أبي إياس أبو مسعود الجريري

منسوب إلى جرير بضم الجيم وهو جرير بن عباد قبيلة معروفة يروي عن أبي العلاء وأبينضرة‏.‏ سمع منه الثوري وشعبة وكان ثقة لكنه اختلط في آخر عمره‏.‏ توفي في هذه السنة‏.‏عبد الله بن المقفع

كان فصيح العبارة جيد الكلام وله‏:‏ ‏"‏ اليتيمة ‏"‏ كتاب فيه آداب حسان‏.‏ فمن ذلك أنه قال فيه‏:‏

يا طالب العلم والأدب أعرف الأصول و الفصول فإن من الناس من يطلب الفصول مع إضاعة

الأصول فلا تكون دركهم دركًا ومن أحرز الأصول اكتفى بها من الفصول فإن أصاب الفصل

بعد إحراز الأصل فهو أفضل وأفضل الأمر أن تعقد على الإيمان وتجتنب الكبائر وتؤديالفريضة فإن قدرت أن تجاوز إلى الفقه والعبادة فهو أفضل وأصل الأمر في إصلاح البدن أن لا يحمل عليه من المآكل والمشارب والباءة إلا خفًا ثم إن قدرت أن تعلم عن جميع منافع الجسدومضاره فهو أفضل‏.‏ وأصل الأمر في المعيشة أن لا تني عن طلب الحلال وتحسن التقدير لماتفيد وتنفق ولا تغرنك سعة تكون فيها فإن أعظم الناس خطرًا أحوجهم إلى التقدير والملوكأحوج إليه من السوقة فإن السوقة قد يعيشون بغير مال والملوك لا قوام لهم إلا بالمال‏.‏ وإن ابتليت بالسلطان فتغوث بالعلماء وأعلم أن قائل المدح كمادح نفسه و الراد له ممدوح والقائل له

معيب إنك إن تلتمس رضا الناس تلتمس ما لا يدرك فعليك بالتماس رضا الأخيار ذوي

العقول احرص الحرص كله على أن تكون خابرًا بأمور عمالك فإن المسيء يفرق من خبرتك قبل أن يصيبه وقعك وإن المحسن يستبشر بعلمك قبل أن يأتيه معروفك تعرف الناس فيما يعرفون من أخلاقك إنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء

الراجي‏.‏ واعلم أن رأيك لا يتسع لكل شيء فدعه للمهم فإن مالك لا يغني الناس كلهمفخصص به أهل الحق وكرامتك لا تطيق العامة فتوخ بها أ هل الفضل‏.‏ واعلم إنما شغلت من

رأيك في غير المهم أزرى بك في المهم ليس للملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته ولا

أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على ما لا يريد ولا أن يبخل لأنه أول الناس عذرًا في خوف الفقر و لا أن يكون حقودًا لأن خطره قد جل عن المجازاة وليتفقد الوالي حاجة الأحرار فيسد بها طغيان السفلة فيقمعهم‏.‏ وليتق حرم الكريم الجائع واللئيم الشبعان فإنما يصول الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع‏.‏ وأحوج الناس إلى التثبيت الملوك و اللئام أصبر أجسادًا والكرام أصبر قلوبًا‏.‏ اعلم أن من أوقع الأمور في الدين وأنهكها للجسم و أتلفها للمال وأفسدها للعقل وأذهبها للوقار الأغلام بالنساء‏.‏ ومن البلاء على الحر الغرم بهن إنه لا ينفك يسأم ما عنده وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده ومجهولاتهن خدع وربما هجم على ما يظنه حسنًا وهو قبيح حتى لو لم يبق في الأرض إلا امرأة ظن أن لها شأنًا غير شأن ما ذاق وهذا من الحمق‏.‏ ومن أتخم نفسه الطعام والشراب والنساء كان مما يصيبه انقطاع تلك اللذات عنه لخمود نار شهوته فإن استطعت أن تضع نفسك دون غايتك بربوة فافعل لا تجالس أميرًا بغير طريقته فإنك إن لاقيت الجاهل بالعلم والغني بالبيان ضيعت عقلك و آذيت جليسك بحملك عليه ما لا يعرف كمخاطبة الأعجمي بما لا يفقه إذا نزل بك مهم فإن كان مما له حيلة فلا يعجز وإن كان مما لا حيلة له فلا يجرع‏.‏ وقيل له‏:‏ من أدبك قال‏:‏ نفسي إذا رأيت شيئًا أذمه من غيري اجتنبه‏.‏ وكان ابن المقفع مع هذه الفصاحة والأدب كريمًا‏.‏ أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي قال‏:‏ حدثنا حمزة بن يوسف السهمي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا ابن مكرم قال‏:‏ حدثنا عمرو بن علي قال‏:‏ سمعت أبا عاصم يقول‏:‏ حدثنا محمد بن عمارة قال‏:‏ لما ولي ابن شبرمة القضاء كتب إليه إسماعيل بن مسلم المكي‏:‏ إنه قد أصابتني حاجة‏.‏ فكتب إليه‏:‏ الحق بنا نواسك‏.‏ فخرج إسماعيل فلما قدم تلقاه ابن المقفع‏.‏ فقال‏:‏ ما جاء بك بعد هذا السن قال‏:‏ أصابتني حاجةفكتبت إلى ابن شبرمة فكتب إلي‏:‏ الحق بنا نواسك‏.‏ قال‏:‏ استخف والله بك لأنك من العجم ولو كنت من العرب لبعث إليك في مصرك تملك على نفسك ثلاثة أيام لا تأتيه‏.‏ قال‏:‏ فانطلق بي إلى منزله فلما كان في اليوم الثالث أتاني بسبعة آلاف درهم تنقص دريهمات وأتمهما بخلخال وقال‏:‏ خذها الآن إن شئت فأقم عندي وإن شئت فأته وإن شئت فارجع إلى مصرك‏.‏

قلت‏:‏ لا والله لا آتيه ولا أقيم عندك‏.‏ ورجعت إلى بلدي‏.‏ وروى شبيب بن شيبة قال‏:‏ كنا

وقوفاُ بالمربد وكان مواقف الأشراف إذ أقبل ابن المقفع فتشبثنا به وبادءناه بالسلام فرد

علينا وقال‏:‏ لو ملتم إلى داري فودعتم أبدانكم وأرحتم دوابكم‏.‏ فملنا فلما استقر بنا المكانقال لنا‏:‏ أي الأمم أعقل فنظر بعضنا إلى بعض وقلنا‏:‏ لعله أراد أصله من فارس‏.‏ فقلنا‏:‏فارس‏.‏ فقال‏:‏ ليسوا كذلك إنهم ملكوا كثيرًا من الأرض وحووا عظيمًا من الملك وغلبوا على

كثيرمن الخلق ولبث فيهم عقد الأمر فما استنبطوا شيئًا بعقولهم ولا ابتدعوا حكمًا في

أنفسهم‏.‏ قلنا‏:‏ فالروم‏.‏ قال‏:‏ أصحاب صبغة‏.‏ قلنا‏:‏ فالصين‏.‏ قال‏:‏ أصحاب طرفة‏.‏ قلنا‏:‏

فالهند‏.‏ قال‏:‏ أصحاب فلسفة‏.‏ قلنا‏:‏ السودان‏.‏ قال‏:‏ شر خلق الله‏.‏ قلنا‏:‏ الترك‏.‏ قال‏:‏ كلابمختلسة‏.‏ قلنا‏:‏ الخرز‏.‏ قال‏:‏ بقر سائمة‏.‏ قلنا‏:‏ فقل‏.‏ قال‏:‏ العرب‏.‏ فضحكنا‏.‏ قال‏:‏ إني ماأردت

موافقتكم ولكني إذا فاتني حظي من النسبة فلا يفوتني حظي من المعرفة إن العرب حكمتعلى غير مثال مثل لها ولا آثار أثرت أصحاب إبل وغنم وسكان شعر وأدم يجود أحدهم

بقوته ويتفضل بمجهوده ويشارك في ميسوره ومعسوره ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة ويفعله فيصير حجة ويحسن ما يشاء فيحسن ويقبح ما يشاء فيقبح أدبتهم أنفسهم ورفعتهم

هممهم وأعلمتهم قلوبهم وألسنتهم فرفع الله بهم أكرم الفخر وبلغ بهم أشرف الذكر وختم لهم

بملك الدنيا على الدهر وافتتح دينه وخلافته منهم إلى الحشر فمن دفع حقهم خسر ومن أنكرفضلهم خصم ودفع الحق باللسان أكبت للجنان‏.‏ واجتمع ابن المقفع بالخليل بن أحمد فقال

الخليل‏:‏ علمه أكثر من عقله‏.‏ وكان المقفع مع هذا يتهم في دينه فروي عن المهدي أنه قال‏:‏ ما

وجدت كتاب زندقة قط إلا وأصله ابن المقفع‏.‏ وقد حكى المرتضى عن الجاحظ أنه قال‏:‏ كان

المقفع ومطيع بن إياس ومنقذ بن زياد يتهمون في دينهم‏.‏ قال المرتضى‏:‏ ومر ابن المقفع ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم فتلمحه ثم قال‏:‏

يا بيت عاتكة الذي أتعزل **حذر العدى وبه الفؤاد موكل

إني لأمنحك الصدود وإنني **قسمًا إليك مع الصدود لأميل

وكان ابن المقفع قد كتب كتاب أمير المؤمنين لعبد الله بن علي وكتب فيه‏:‏ ومتى غدر أمير

المؤمنين بعمه عبد الله فنساؤه طوالق ودوابه حبس وعبيده أحرار والمسلمون في حل منبيعته‏.‏ فاشتد ذلك على المنصور فكتب إلى سفيان بن معاوية وهو أمير البصرة فقتله‏.‏

وروى أبو بكر الصولي‏:‏ أن الربيع الحاجب قال‏:‏ لما قرأ المنصور الأيمان الذي كتبه ابن المقفع قال‏:‏ من كتب هذا فقيل‏:‏ رجل يقال له عبد الله بن المقفع يكتب لعميك سليمان وعيسى ابني علي بالبصرة فكتب إلى عامله بالبصرة‏:‏ لا يفلتنك ابن المقفع حتى تقتله‏.‏ فاستأذن يومًا عليه مع وجوه أهل البصرة فأخر سفيان إذنه وأذن لمن كان معه قبله ثم أذن له فلما صار بالدهلز عدل به إلى حجرة فقتل فيها وخرج القوم فرأوا غلمانه فسألوهم عنه فقيل‏:‏ دخل بعدكمفخاصم سليمان وعيسى ابنا علي سفيان بن معاوية المهلبي وأشخصاه إلى المنصور وقامت

البينة العادلة بأن ابن المقفع دخل دار سفيان سليمًا ولم يخرج منها‏.‏ فقال المنصور‏:‏ أنا أنظر في

هذا وأقيده به‏.‏ ووعدهم الغد فجاء سليمان ليلًا فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين اتق الله في صنيعكومتبع أمرك أن تجري قتله علي‏.‏ قال‏:‏ لا ترع واحضر‏.‏ فحضر وقامت البينة‏.‏ فقال المنصور‏:‏

أرأيتم إن قتلت سفيان بن معاوية بابن المقفع ثم خرج ابن المقفع عليكم من هذا الباب وأومأ

إلى باب خلفه من ينصب لي نفسه حتى أقتله مكان سفيان فرجعوا كلهم عن الشهادة واندفع

الأمر‏.‏ وروى أبو الحسن المدائني‏:‏ أن ابن المقفع كان يعبث بسفيان بن معاوية بن بزيد بن المهلب بالحيرة ويضحك منه فغضب سفيان مرة وافترى عليه فقال له ابن المقفع‏:‏ يا ابن المغتلمة والله ما اكتفت أمك برجال العراق حتى نكحها رجال أهل الشام وكانت أم سفيان‏:‏ ميسون بنت المغيرة بنت المهلب‏.‏ فاضطغن عليه سفيان فقدم سفيان بن علي وعيسى بن علي ليكتبوا لعبد الله بن علي أمانًا‏.‏ وكان ابن المقفع يكتب لعيسى بن علي وكان يتنوق في الشرط فكتب فيما اشترط‏:‏ إن قتله أمير المؤمنين فلا بيعة له‏.‏ فقال المنصور‏:‏ من يتوثق لهم قالوا‏:‏ ابن المقفع‏.‏قال‏:‏ فما أحد يكفيني ابن المقفع‏.‏ فكتب أبو الخصيب إلى سفيان بن معاوية يحكي له هذاالكلام عن أمير المؤمنين فاعتزم على قتله إن أمكنه ذلك فاستدعاه فقال‏:‏ أتذكر ما كنت تقول

قال‏:‏ أنشدك الله أيها الأمير‏.‏ فقال‏:‏ أمي مغتلمة كما قلت إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد‏.‏ فأمر

بتنور فسجر حتى إذا حمي أمر أن تقطع أعضاؤه فكلما قطعوا عضوًا قال‏:‏ ألقوه في النار‏.‏

فيلقونه وهو ينظر إليه حتى أتى على جميع جسده ثم أطبق التنور وقال‏:‏ ليس علي في المثلة

بك حرج لأنك زنديق قد أفسدت الناس واختفى أثره وقال عيسى لغلمانه‏:‏ قل لسفيان‏:‏ إن لم

تكن قتلته فخله وإن كنت قتلته فو الله لأطالبنك بدية‏.‏ قال سفيان‏:‏ ما أدري أين هو‏.‏ فمضىعيسى إلى المنصور وقال‏:‏ قتله سفيان فجيء بسفيان مقيدًا وجعل عيسى يطلب الشهود

ويخاطب المنصور ودخل الشهود فشهدوا فقال لهم المنصور‏:‏ قد شهدتم فإن أتيتكم بابن

المقفع حتى يخاطبكم ما تروني صانعًا بكم فقام الشهود وضرب عيسى بن علي عن ذلك

العلاء بن بشر الاسكندراني

مولى قريش‏:‏ سمع من القاسم بن محمد وأبي عبد الرحمن الحبلي‏.‏ روى عنه حيوة بن شريح

وابن لهيعة‏.‏ وكان مستجاب الدعوة‏.‏ توفي بالاسكندرية في هذه السنة‏.‏

عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان وباب من سبي فارس كان عمرو يسكن البصرة وجالس الحسن البصري ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة فقال بالقدر ودعا إليه واعتزل أصحاب الحسن وكان له سمت وإظهار زهد ودخل على المنصور فوعظه‏.‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن ثابت قال‏:‏ خبرنا القاضي أبو عبد الله الحسن بن علي الصيمري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران بن موسى الكاتب قال‏:‏ أخبرنا علي بن هلرون قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر عن أبيه عن عقبة بن هارون قال‏:‏ دخل عمرو بن عبيد على المنصور وعنده المهدي بعد أن بايع له ببغداد فقال‏:‏ يا أبا عثمان عظني‏.‏ فقال‏:‏ إن هذا الأمر أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك فأحذرك ليلة تمخض بيوم ليلة بعده ثم أنشده‏:

‏يا أيهذا الذي قد غره الأمل **ودون ما يأمل التنغيص و الأجل

ألا ترى أنما الدنيا وزينتها ** كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحل

واتظل تفرغ بالروعات ساكنها ** فما يصوغ له لين ولا جذل

كأنه للمنايا و الردى غرض ** تظل فيه بنات الدهر تنتصل

تديره ما أدارته دوائرها ** منها المصيب ومنها المخطىء الزلل

والنفس هاربة والموت يرصدها ** فكل عثرة رجل عندها جلل

والمرء يسعى بما يسعى ** لوارثه والقبرما يسعى له الرجل

قال‏:‏ فبكى المنصور‏.‏ أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الصيمري

قال‏:‏ حدثنا أبو عبيد الله المرزباني قال‏:‏ حدثنا أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الحصيني قال‏:‏

حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم قال‏:‏ حدثنا الفضل بن يعقوب قال‏:‏ حدثني عمي إسحاق بنالفضل قال‏:‏ بينا أن على باب المنصور وإلى جنبي عمارة بن حمزة إذ طلع عمرو بن عبيد على حمار فنزل عن حماره ونحى البساط برجله وجلس دونه فالتفت إلي عمارة فقال‏:‏ لا تزالبصرتكم ترمينا بأحمق‏.‏ فما فصل كلامه من فيه حتى خرج الربيع وهو يقول‏:‏ أجب أمير المؤمنين جعلني الله فداك‏.‏ فمر متوكئًا عليه فالتفت إلى عمارة فقلت‏:‏ إن الرجل الذي استحمقت قد دعي وتركنا‏.‏ قال‏:‏ كثيرًا ما يكون هذا‏.‏ فأطال اللبث ثم خرج الربيع وعمرو متوكئًا عليه وهو يقول‏:‏ يا غلام حمار أبي عثمان‏.‏ فما برح حتى على سرجه وضم إليه نشر ثوبه و استودعه الله‏.‏ فأقبل عمارة على الربيع فقال‏:‏ لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلًا لو فعلتموه بولي عهدكم لكنتم قد قضيتم حقه‏.‏ قال‏:‏ فما غاب عنك والله ما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب‏.‏ قال‏:‏ فإن اتسع لك الحديث فحدثنا‏.‏ فقال‏:‏ ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودًا ثم انتقل هو و المهدي وكان على المهدي سواده وسيفه ثم أذن له فلما دخل عليه بالخلافة فرد عليه ومازال يدينه حتى أتكأه على فخذه وتحفى به ثم سأله عن نفسه وعن عياله يسميهم رجلًا رجلًا وامرأة امرأة ثم قال‏:‏ يا أبو عثمان عظني‏.‏ فقال‏:‏ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب‏}‏ إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد‏.‏ قال‏:‏ فبكى بكاءً شديدًا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا في تلك الساعة وقال‏:‏ زدني‏.‏ فقال‏:‏ إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد من قبلك ثم أفضى إليك وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة‏.‏ قال‏:‏ فبكى والله أشد من بكائه الأول حتى جف جفناه‏.‏ فقال له سليمان بن خالد‏:‏ رفقًا بأمير المؤمنين قد أتعبته اليوم فقال له عمرو‏:‏ بمثلك ضاع الأمر وانتشر لا أبالك وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية الله عز وجل فقال له أمير المؤمنين‏:‏ يا أبا عثمان أعني بأصحابك أستعن بهم‏.‏ قال‏:‏ أظهر الحق يتبعك أهله‏.‏ قال‏:‏ بلغني أن محمد بن عبد الله بن حسن كتب إليك كتابًا‏.‏ قال‏:‏ قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه‏.‏ قال‏:‏ فيم أجبته قال‏:‏ أوليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا إني لا أراه قال‏:‏ أجل ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي‏.‏ قال‏:‏ لئن كذبتك تقية لأحلفن لك بقية‏.‏ قال‏:‏ أنت والله الصادق البر‏.‏ ثم قال‏:‏ قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك‏.‏ قال‏:‏ لا حاجة لي فيها‏.‏ قال‏:‏ والله لتأخذنها‏.‏ قال‏:‏ والله لا آخذها‏.‏ فقال له المهدي‏:‏ يحلف أمير المؤمنين وتحلف‏!‏ فترك المهدي وأقبل على المنصور وقال‏:‏ من هذا الفتى قال‏:‏ هذا ابني محمد هو المهدي وولي العهد‏.‏ قال‏:‏ والله لقد أسميته اسمًا ما استحقه عمله وألبسته لباسًا ما هو من لبس الأبرار ولقد مهدت له أمرًا أمتع ما يكون به أشغل ما يكون عنه‏.‏ ثم التفت إلى المهدي وقال له‏:‏ يا ابن أخي إذا حلف أبوك حلف عمك لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك‏.‏ ثم قال‏:‏ يا أبا عثمان هل من حاجة قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ لا تبعث إلي حتى آتيك‏.‏ قال‏:‏ إذًا لا تأتيني‏.‏ قال‏:‏ عن حاجتي سألتني‏.‏ قال‏:‏ فاستحفظه اللهكلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد قال مؤلف الكتاب رحمه الله‏:‏ تكلم العلماء في عمرو بن عبيد لأجل مذهبه في القدر وكذبه جماعة منهم في حديثه وكان يقول‏:‏ إن كانت ‏{‏تبت يدا أبي لهب‏}‏ فما على أبي لهب من لوم‏.‏أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ سمعت أبا عمرو عبد الوهاببن محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال يقول‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ سمعت مسبح بن حاتم البصري

يقول‏:‏ سمعت عبيد الله بن معاذ العنبري يقول‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ سمعت عمرو بن عبيد يقول

وذكر حديث الصادق والمصدوق فقال‏:‏ لو سمعت الأعمش يقةل هذا لكذبته ولة سمعت زيدبن وهب يقول هذا ما أحببته ولو سمعت عبد الله بن مسعود يقول هذا ما قبلته ولو سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له‏:‏

ليس على هذا أخذت ميثاقنا‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي

بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد الأصفهاني قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏

حدثنا محمد بن بشير بن مطير قال‏:‏ حدثنا سواربن عبد الله قال‏:‏ حدثنا الأصمعي قال‏:‏ جاء

عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال‏:‏ يا أبا عمرو يخلف الله وعده قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏

أفرأيت إن وعد الله على عمل عقابًا يخلف وعده فقال أبو عمرو‏:‏ من العجمة أتيت ياأبا

عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد خلفًا ولا عارًا إن تعد شرًا ثم تفعله ترى ذاك

كرمًا وفضلًا إنما أن تعد خيرًا ثم لا تفعله قال‏:‏ أوجدني هذا في كلام العرب‏.‏ قال‏:‏ أما سمعت

إلى قول الأول‏:‏ وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال‏:‏ أخبرنا ابن إسحاق البغوي قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علبك قال‏:‏ حدثنا عمرو بن علي قال‏:‏ سمعت عبد الله بن سلمة الأفطس يقول‏:‏ سمعت عمرو بن عبيد يقول‏:‏ والله لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على سواك ماأجزته‏.‏ توفي عمرو في هذه السنة ودفن بمران على ليالٍ من مكة‏.‏ وقيل‏:‏ توفي سنة ثمان وأربعين‏.‏

مجالد بن سعيد الهمدانيروى عن الشعبي وقد طعن بعض المحدثين فيه‏.‏

هلال بن خباب ابو العلاء مولى زيد بن صوحان العبدي وهو بصري سكن المدائن وحدث بها عن أبي جحيفة السوائي وسعيد بن جبير وعكرمة‏.‏ روى عنه‏:‏ مسعر والثوري‏.‏ وكان ثقة مأمونًا وقد غلظ بعض المحدثين فقال‏:‏ ويونس بن خباب أخو هلال‏.‏ وقال آخر‏:‏ هلال ويونس وصالح بنو خباب‏.‏

وكان ذلك غلط ليس بينهم قرابة إنما هو اتفاق في اسم الأب‏.‏ توفي هلال بن خباب بالمدائن في

هذه السنة‏.‏